عدد الرسائل : 6792 الأوسمة : نقاط : 69300 تاريخ التسجيل : 25/04/2008
موضوع: المجددون في الإسلام: علي بن أبي طالب الجمعة سبتمبر 05, 2008 1:44 am
المجددون في الإسلام: علي بن أبي طالب
بقلم جمال البنا ٤/٩/٢٠٠٨ في جريدة المصري اليوم لو اتسع الوقت وصفا الجو مع علي بن أبي طالب لكان حقيقاً بأن يأتينا بكل جديد ومبدع، فلم يكن الذكاء ولا الشجاعة لتنقصه، ولكن الفتن المتلاحقة التي سبقت خلافته وجعلت عددًا من الأعراب الجفاة الطائشين يتورطون في قتل شيخهم وأميرهم عثمان بن عفان وهو ممسك بمصحفه، هذه الفتن انسحبت علي خلافته بأسرها وكانت السبب في استشهاده.
يمكن أن نستخلص من مواقفه في هذه الفتنة المدلهمة موقفاً فريدًا وضع به مبدأ ثميناً فيما يتبع مع المعارضين، ذلك هو موقفه من الخوارج، فهؤلاء قوم توقفوا ومعركة صفين في ذروتها، وكاد النصر أن يتحقق له، وانطلت عليهم خدعة المصاحف المرفوعة علي الرماح «تعالوا إلي كتاب الله»، «بيننا وبينكم كتاب الله»، لقد حاول أن يوضح لهم أن كتاب الله بريء منهم!..
وأنها إنما تعلة لتفويت النصر فأبوا أن يستمعوا، وهكذا فوتوا عليه نصر صفين ثم أصروا علي التحكيم، وعلي أن يكون أبو موسي الأشعري هو ممثله، وكان علي كارهاً لهذا كله، ولكن الموقف انفلت وعلت صيحة الخوارج، فلما أخذ بما قالوا انقلبوا عليه وتبينوا خطأهم، ولكنهم أشركوه فيه وطلبوا منه أن يتوب بعد كفر!
ورفض الإمام علي هذا المطلب المستهجن، فما كان يقر علي نفسه بالكفر وهو أول من آمن بالرسول من الصبيان، ووضح لهم أنه كان رافضًا ولم يقبل إلا عندما طالبوه ورماحهم مشتجرة وسيوفهم مصلتة.. ورحي المعركة دائرة، فتركوه وسيوفهم علي عواتقهم، وانتحوا بناحية «حروراء» وانتخبوا منهم أميرًا.
هذا تمرد عسكري وشق عصا الطاعة، ومع هذا سكت عليهم ولم يبادلهم بقتال، بل قال إن لهم ألا نمنعهم المساجد، وهي وقتئذ ساحة لقاء الجماهير بعضهم ببعض، وألا نمنعهم الفيء إذا عادوا إليه، وألا نبدأهم بقتال حتي يكونوا هم البادئين.
هذا موقف يندر أن نجد سياسيا ورجل دولة وقفه، وهو يمثل لنا أقصي درجة من الحرية تجاه المخالفين، الذين لا تقتصر مخالفتهم علي معارضة سياسية، ولكنها تأخذ شكل مناوأة الدولة وتكوين قوة عسكرية خاصة بهم. باغتيال علي طويت صفحة الخلافة الراشدة.. كانت قد طُعنت عندما طُعن عمر بن الخطاب، ولكنها ظلت تناوش الأحداث وتناوشها الأحداث حتي دُفنت عندما دُفن علي.. وظهر علي أنقاضها الملك العضوض.
ولم يكن الانتقال من نظام الخلافة الراشدة إلي نظام الملك العضوض انتقالاً من نظام سياسي حسن إلي نظام سياسي سيئ، كان الأمر أفدح من ذلك..
كان انتقالاً كليا من وضع تنصرف فيه الدولة إلي خدمة الجماهير، ويسودها مناخ العمل في جميع مظاهره إلي دولة تستغل الجماهير لخدمة الحاكم، وتزدهر فيها الأقاويل والجدل. كانت الخلافة دولة عطاء لم تفرض ضرائب،
كانت الضريبة الوحيدة فيها هي الزكاة التي تؤخذ من الأغنياء لتعطي للفقراء، وهؤلاء الأغنياء كانت الدولة تفسح لهم المجال ليزدادوا غني عن طريق التجارة أو الصناعة أو الأراضي،
كما كانت الدولة تعطيهم أيضًا من مواردها وكان أبرزها الغنائم والجزية، كان الفقراء أغنياء والأغنياء أثرياء، وكان الجميع يعمل، الدولة تعمل، والفقراء يعملون والأغنياء يعملون، ولم تعرف الجدل، كان قوام عملهم ما وهبوا من مقدرات وذكاء وفطرة. فلم يقل عمر بن الخطاب لأبي بكر عندما استحثه علي جمع القرآن وتردد أبو بكر إلا: «هو والله خير»،
ولم يقل علي عندما ارتأي تضمين الصناع ــ وهو يخالف أحد الآثار ــ إلا: «لا يصلحهم إلا هذا» ولم يكن العمدة إلا وجدان الاطمئنان والثلج من غير التفات إلي طرق الاستدلال، كما تري الأعراب يفهمون مقصود الكلام فيما بينهم، كما قال الإمام ولي الله الدهلوي في كتابه الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف.