شيخ الإسلام ابن تيمية
الإمام ابن تيمية شيخ الإسلام وأحد الأئمة الأفاضل الذين لم يدخروا وسعاً من أجل خدمة الإسلام والمسلمين، فقام بنشر العلم والتعريف بكتاب الله سبحانه وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعمل على التبحر في آيات القرآن الكريم وتفسيرها وتوضيح معانيها، بالإضافة لإلمامه بالمسائل الفقهية وجهوده في نشر العلم والدعوة للإسلام، فكان ابن تيمية مجاهداً في جميع المجالات سواء في الدفاع عن وطنه أو الدفاع عن الإسلام ونصرته.
كرس جزء كبير من وقته عكف فيه على تأليف الكتب والتي تناول فيها العديد من الأمور الإسلامية من مسائل شرعية وفقهية فصدر له العديد من الكتب والتي تتضمن كتب الفتاوي والتي يجيب فيها على الكثير من التساؤلات الدينية والدنيوية والتي يسير في إجابته فيها على قواعد الكتاب والسنة وذلك في ضوء المذهب الحنبلي.
النشأة
اسمه كاملاً تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، ولد في حران بدمشق في 10 ربيع الأول عام 661هـ - 12 يناير 1263م، بعد سقوط بغداد في يد التتار قام والده بالرحيل من بغداد إلي دمشق حيث ولد أبن تيمية وكانت دمشق حينذاك تذخر بالعلماء والشيوخ الكبار حيث ترعرع أبن تيمية في هذه البيئة العلمية ونهل منها علومه المختلفة فقام بدراسة الحديث والفقه والخط والحساب والتفسير كل هذا ولم يكن قد تعدى العشر سنوات، فلقد كان يتمتع بموهبة رائعة في الاستذكار وذاكرة قوية سريع الحفظ شديد الذكاء، هذا بالإضافة لنشأته في رعاية والده الذي كان من كبار الفقهاء في الفقه الحنبلي.
على الرغم من سنه الصغير إلا أن ابن تيمية كان يفضل الاتجاه إلى مجالس العلم والعلماء على أن يقضي وقته في اللهو كغيره من الأطفال، هذا الأمر الذي وسع مداركه وأضاف المزيد من الخبرات والعلوم إليه مما أهله بعد ذلك إلى القيام بالتأليف والإفتاء وهو في السابعة عشر من عمره، كما قام أيضاً بتولي مهمة التدريس بعد وفاة والده.
جهاده في سبيل الإسلام والوطن
عرف عن الإمام أبن تيمية جرأته في إظهار رأيه ودفاعه الشديد عن السنة، وإخلاصه من أجل الدفاع عن الإسلام وعن الوطن فلقد خرج للجهاد شاهراً سيفه مدافعاً عن بلاده ضد الهجمات التتارية، ولم يكتفي بالسلاح والسيف فقط من أجل المواجهة والزود عن الوطن بل ذهب على رأس وفد من العلماء والشيوخ لمقابلة ملك التتار والتفاوض من أجل وقف الزحف التتاري على دمشق وتحرير الأسرى وقد كان.
اشتهر ابن تيمية بقوة علمه وغزارته بالإضافة لفصاحته مما حبب الناس فيه وجعلهم يلتفون حوله، ولم يتهاون في تقديم العلم لمن أراده قط فكان يقوم بالتدريس في المساجد، ويرشد الناس إلى أمور دينهم ويوضح ما استعصى على العامة فهمه، ويوضح حدود الله ويدافع عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
تعرضه للسجن
عاصر ابن تيمية فترة حكم عدد من الحكام منهم ركن الدين بيبرس سلطان مصر والشام والناصر محمد بن قلاوون، ونظراً لمكانة ابن تيمية العلمية وعلمه الغزير وجد له عدد من الحاقدين والمنافسين الذين لم يسعدهم تفوقه ونبوغه فسعوا من أجل إفساد علاقة السلطان ركن الدين بيبرس به وتمكنوا من هذا بالفعل حيث أوقعوا بين السلطان وابن تيمية وجيء بابن تيمية إلى مصر حيث تمت محاكمته وحكم عليه بالحبس لمدة سنة ونصف بالقلعة، وبعدها نفي إلى الشام ورجع إلى مصر مرة أخرى ليحبس فيها ومنها إلى الإسكندرية حبيساً أيضاً واستمر سجنه لمدة من الزمن حتى جاء السلطان محمد بن قلاوون إلى الحكم، حيث ظهر الحق وتم تبرئة ابن تيمية وإخلاء ساحته من التهم الموجهة له وتم فك حبسه ولم يكتفِ السلطان قلاوون بهذا بل لقد أعطى ابن تيمية الحق في معاقبة خصومه وهذا ما ترفع عنه ابن تيمية.
عاد ابن تيمية مرة أخري إلى دروسه العلمية وتفسير القرآن الكريم فأخذ بنشر العلم ودعوة الناس لله تعالي وسنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن القاهرة انطلق ابن تيمية مرة أخرى عائداً إلى دمشق حيث عرف طريق السجن مرة أخرى عندما قام بالإفتاء في أحد المسائل والتي لم تنل رضا السلطان الذي طلب منه تغيير رأيه فيها وهذا ما رفضه ابن تيمية فتم القبض عليه ليدخل السجن مرة أخرى ولكن هذه المرة في دمشق حيث قضى به ستة أشهر وما أن خرج منه حتى ما لبث أن عاد إليه مرة أخرى بسبب الفتوى التي قام بإصدارها في "عدم وجوب شد الرحال إلى قبور الأنبياء" وهو الأمر الذي أخذه عليه خصومه وظلوا وراءه حتى تم حبسه مرة أخرى، وعكف على التأليف هذا على الرغم من محاولتهم المستمرة من منعه من التأليف أيضاً ولكن تمكن من إكمال عدد من المؤلفات.
من مؤلفاته
قدم العديد من المؤلفات الهامة والتي يعد من أهمها "منهاج السنة " وغيره العديد من الكتب والتي نذكر منها:
درء تعارض العقل والنقل، المنهج القويم في اختصار الصراط المستقيم، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، الصارم المسلول على شاتم الرسول، الفتاوى الكبرى- مجموع الفتاوى، السياسة الشرعية في صلاح الراعي والرعية، نقض المنطق، حقوق آل البيت ، البيان المبين في أخبار الجن والشياطين، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، القواعد النورانية الفقهية.
مدرسون وطلاب
قام ابن تيمية بأخذ العلم على يد العديد من الشيوخ والعلماء الأفاضل والذي يأتي في مقدمتهم والده وهو أحد الفقهاء الأجلاء وغيره من العلماء اللذين نذكر منهم المحدث أبو العباس أحمد بن عبد الدائم، ابن أبي اليسر، الشيخ شمس الدين عبد الرحمن المقدسي الحنبلي، ابن الظاهري الحافظ أبو العباس الحلبي الحنفي.
لم يكتف ابن تيمية بتلقي العلم فقط ولكن عمل على تعليمه أيضاً فدرس على يديه العديد من الطلاب واللذين أصبحوا علماء عظام منهم ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي، أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي، أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي، علم الدين القاسم بن محمد البرزالي وغيرهم الكثير.
وفاته
توفى ابن تيمية في عام 728هـ تاركاً العديد من المؤلفات الضخمة والتي أثرت المكتبة الإسلامية وقد تجاوزت مؤلفاته الثلاثمائة مجلد معظمها في الفقه والتفسير.