الاستعداد لشهر رمضان المبارك
الكاتب : الشيخ صالح الكرباسي
مقال تربوي لسماحة الشيخ صالح الكرباسي يبين فيه كيفية الاستعداد لشهر رمضان المبارك و كيفية استقباله .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على النبي المصطفى محمد ( صلى الله عليه و آله ) الهداة المهديين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً .
نحن اليوم على مشارف شهر رمضان المبارك ، هذا الشهر العظيم شهر الله و شهر الضيافة الإلهية المباركة السخية و المتميزة .
نعم نحن نستقبل شهراً مباركاً كريماً ملؤه الرحمةُ و الغفرانُ و الخيرُ ، شهر تعُمُّهُ الأنوار الإلهية و الأجواءُ الروحانيةِ .
شهر تنهمر السعادة من خلاله على الإنسان المؤمن الصائم الملتزم بتعاليم الله عَزَّ و جَلَّ .
إذن فينبغي على مَنْ عرِفَ قيمة هذا الشهر المبارك المعطاء ، و أراد أن يعيش الحالة الرمضانية المباركة و يكون نموذجاً للصائم المُنعم عليه بالقبول و الغفران ، و يكون له نصيبٌ كبير من بركات شهر رمضان المبارك ، و يكون ممن تشمله الرحمة الإلهية ، و يكون ممن ينال رضى الله عَزَّ و جَلَّ ، أن يتحضر لإستقبال شهر رمضان بما يليق به لكي يكون ذو حظٍ عظيم من بركاته و آثاره .
ولكي يكون موفقاً في إستقباله فلا بُدَّ له من الإستعداد التام قبل حلول هذا الشهر المبارك الكريم .
كيف نستقبل شهر رمضان ؟
الاستعداد لإستقباله و التهيّؤ له لا يكون بادخار الأطعمة و الأشربة و إحتكارها في المنزل كمن يتخوف المجاعة و القحط ، أو التفنن في إبداع الأكلات الرمضانية الشهية ، أو بسط الموائد التي تتجاوز الأرقام القياسية في الإسراف و التبذير و الترف ، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر به شعوب العالم بصورة عامة و بلادنا الإسلامية بصورة خاصة من النقص الحاد في المواد الغذائية الرئيسية ، و إنما المقصود هو الاستعداد المعنوي ، و التهيؤ الروحي و الإيماني بما يتناسب مع أهداف هذا الشهر المبارك .
متى نبدأ بالاستعداد ؟
لضمان الحصول على النتائج الكبرى يحبذ أن يبدأ هذا الاستعداد قبل حلول شهر رمضان بأشهرٍ ، تماماً كالذي يريد الاشتراك في سباقٍ عالمي مهم يفترض أن يقوم بالاستعداد و التحضير له بفترة تسبقه كافية لأن تؤهله للإشتراك في ذلك السباق ، و كذلك فعلى من يريد الفوز بالجائزة الرمضانية الكبرى أن يتحضر لها و يتهيأ لها بصورة كاملة .
فقد روي عن النّبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) انّه كان إذا رأى هلال شهر رجب قال :
" اَللّـهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَب وَ شَعْبانَ ، و بَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ ، و اَعِنّا عَلَى الصِّيامِ وَ الْقِيامِ وَ حِفْظِ اللِّسانِ ، وَ غَضِّ الْبَصَرِ ، وَ لا تَجْعَلْ حَظَّنا مِنْهُ الْجُوعَ وَ الْعَطَشَ " .
و لو تأملنا في كلام النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) عرفنا بأن من أهم أهداف شهر رمضان التي لا بُدَّ أن نجعلها هدفاً نسعى للوصول إليها هي العبادة الخالصة و مخالفة هوى النفس و كبح جماحها من خلال ضبط اللسان و غَضِّ البصر ، و إلا فإن حظنا منه سوف لا يتجاوز الجوع و العطش ، و سوف لا نصل إلى الهدف الأم من الصيام الذي هو التقوى .
و رُوي أن الإمام جعفر الصّادق ( عليه السَّلام ) كان يدعو في آخر ليلة من شعبان و أوّل ليلة من رمضان ، و يقول :
اَللّـهُمَّ اِنَّ هذَا الشَّهْرَ الْمُبارَكَ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرآنُ وَجُعِلَ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّناتِ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ قَدْ حَضَرَ فَسَلِّمْنا فيهِ وَ سَلَّمْهُ لَنا وَ تَسَلِّمْهُ مِنّا في يُسْر مِنْكَ و عافِيَة ، يا مَنْ اَخَذَ الْقَليلَ ، وَ شَكَرَ الْكَثيرَ ، اِقْبَل مِنِّى الْيَسيرَ ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَساَلُكَ اَنْ تَجْعَلَ لي إلى كُلِّ خَيْر سَبيلاً ، وَ مِنْ كُلِّ ما لا تُحِبُّ مانِعاً ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ ...
فالاستعداد و التهيوء لإستقبال شهر رمضان إنما يكون بتصحيح نظرتنا إلى هذا الشهر ، و التعرف على مكانته الحقيقية بأنه شهر الله و شهر المغفرة الإلهية و الرحمة الشاملة ، و أنه المدرسة التي أنعم الله تعالى بها علينا لكي نتربى فيها تربية إسلامية إيمانية قرآنية صادقة نتمكن من خلالها من التخلص من الذنوب و المعاصي و كل ما يحط من منزلة الإنسان و قدره ، و نتخلق بأخلاق الصائم النموذجي ، و نعتبره سُلَّم الرُقي إلى أعلى درجات الكمال .
كما و لا بُدَّ و أن ننظر إلى شهر رمضان المبارك بإعتباره فرصة فريدة لا بُدَّ من إغتنامها بصورة جيدة .