السلام عليكم
لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان بادئًا بمكة بلده، ولم يكن من السهل أن يقف النبي صلى الله عليه وسلم مجاهرًا بدعوته وسط الكعبة، فقد كان اختياره لأتباعه محاطًا بكل وسائل الحيطة والحذر، ولم يعلن لعموم الناس أمره، فلماذا لم يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره ليسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن؟ لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعلمه أن دعوة الإسلام - وإن كانت مقنعة للناس - ستلقى حربًا ليس من قريش فقط، بل من العالم أجمع.
وهناك قاعدتان رئيسيتان لاختيار المدعوين للإسلام، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليهما: اختيار أصحاب الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة الذين يعظمون الصدق والكرم، والشجاعة والعدل . وكذلك الاهتمام بالشباب؛ لأنهم أصحاب حماسة وحميَّة، لم تتلوّن عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثَمَّ يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية.
وفي اليوم الثاني من الدعوة بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة، لم تكن الدعوة عند الصّدّيق مجرد تكاليف من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه الحب للإسلام الذي ملأ قلبه رضي الله عنه، وهو ما كان سببًا في استجلاب أكبر عدد من الصحابة الذين أذعنوا للدعوة، ولبّوا نداءها، وكانوا عاملاً مهمًّا في نجاحها وخروجها للعالم. ولا شك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان من الرجال الحقيقيين في هذه الدعوة المباركة، وكان عاملاً من عوامل جذب كثير من الصحابة لهذه الدعوة؛ فقد كان سهلاً لينًا محببًا مُوَطَّأ الأكناف، وسيرته رضي الله عنه تجعلنا نفكر أكثر من مرة في كيفية الاقتداء به، والسير على نهجه في استجلاب الجنود لدين الله، وفي البذل بالمال والنفس.
ومن فقه المرحلة السرية للدعوة أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ منهج الحيطة والحذر؛ لأن الدعوة في بدايتها تحتاج للرجال وهم قليلون ؛ فإن فُقِد الرجالُ ضاعت الدعوة، وهذا ما يوضحه موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن عَبَسَة الأسلمي رغم إسلامه. وكذا من دواعي الحيطة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن اجتماعاتهم السرية كانت في دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذلك الغلام صاحب الست عشرة سنة، البعيد عن قريش والعدو لبني هاشم؛ لأنه من قبيلة مخزوم المتنازعة دائمًا مع بني هاشم.
وقد اتخذت تربية النبي لأصحابه في هذه الدار الجانبين النظري والعملي، من تثبيت العقيدة والأخلاق والتربية بالتاريخ، والاهتمام بالصلاة وقيام الليل والصوم؛ مما كان دافعًا قويًّا في السير قُدُمًا في مجال الدعوة إلى الله ، وتربية رجال صدقوا عهدهم.