مشاكل الإستزراع السمكي وسبل التغلب عليها
- بدأ الإستزراع السمكي في مصر فعلياً في أواخر السبعينات من القرن الماضي- بعد أزمة اللحوم الشهيرة ، والفكر السائد طوال تلك الفترة هي أن الإسترزاع السمكي نشاط يتم فيه إستغلال أراضي بور غير صالحة للزراعة ومياه صرف زراعي وكذلك إستخدام مواد علفية رخيصه الثمن لإنتاج بروتين حيواني عالي القيمه رخيص الثمن ، وكانت البداية في الواقع علي أيدي الجهات الحكومية حيث تم إنشاء الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التي قامت بدورها بإنشاء عدد من المزارع – الإرشادية
– في مناطق عديده بمصر كانت بالفعل النواه الحقيقية لتنمية هذا القطاع
خلال فترة قصيرة نسبياً من الزمان أصبح نشاط الإستزراع السمكي من أكبر الأنشطة الجاذبة للإستثمار في مصر وليس أدل علي ذلك أن إنتاج المزارع السمكية وصل في عام 2005 إلي 540 ألف طن تقريباً بما يمثل 61% من جملة انتاج مصر من الأسماك البالغ 890 طن تقريباًً ويرجع ذلك لعدة أسباب اهمها.
1- إستخدام مدخلات إنتاجية رخيصة.. فالأراضي بور رخيصه الثمن ، والمياه مياه صرف زراعي كما ذكرنا ، كما أن الأعلاف كانت رخيصة جداً يضاف لذلك إنخفاض تكلفة الأيدي العاملة وكذا إنخفاض تكاليف النقل والوقود إذا ما وزعت هذه التكاليف علي وحدة المساحة أوالإنتاج وكذلك إذا ما قورنت بمتوسط الأسعار في السنوات الماضية
2- تكون خبرات وكوادر حقيقية في هذا القطاع ساهمت في تطوير طرق وأساليب التربية بالإضافه لدور القطاع الخاص الذي إستغل إمكانياته والخبرات الموجوده في هذا المجال ليحدث طفرة حقيقية هائلة سواء من حيث التوسع الرأسي فزاد متوسط إنتاج الفدان من 400 كجم أو أقل في أوائل الثمانينات إلي 2: 3طن في التربية العادية و8:9 طن في التربية شبه المكثفة ، أو من حيث التوسع الأفقي فالكمية المنتجة من المزارع السمكية كانت 91 الف طن تقريبا عام 96 أصبحت كما ذكرنا 540 ألف طن عام 2005 إضافة إلي إنشاء العديد من مصانع إنتاج الأعلاف والصناعات المغذية والمرتبطة بالإنتاج السمكي كصناعة أدوات الصيد ومعداته وصناعة الثلج والفوارغ .. الخ بالإضافة لدوره التمويلي المباشر في العملية الإنتاجية
3- وجود سوق متنامي يستوعب أي كمية منتجة من الأسماك فمع إرتفاع أسعار اللحوم والبروتين الحيواني بصفة عامة أخذ الإقبال علي الأسماك كبديل غذائي يتزايد يوماً يعد يوماً
كل ما سبق وأسباب أخري كثيرة ساهمت في تطور هذا القطاع وإحداث نهضة حقيقية به كانت أهم نتائجها الملموسة لنا جميعاً هي إستقرار أسعار الأسماك ( وأقصد بذلك أسماك المياه العذبة ) خلال العشرة سنوات الأخيرة فبرغم من تضاعف أسعار كل السلع تقريباً عده مرات خلال تلك الفترة نجد أن سعر كيلو البلطي مثلا مازال محتفظاً بمتوسط سعر واحد تقريبا في نفس الوقت من السنه .
العرض السابق يفرض تساؤلاً منطقياً ... إذا كان الأمر كذلك فما الذي حدث إذاً ..؟؟!!
والإجابة بمنتهي البساطة أن هناك نوعان من المشاكل تواجه هذا القطاع الآن..
مشاكل مرتبطه بالقطاع
فنتيجة لما سبق تطور القطاع وطور مدخلاته وأضاف ميزه نسبية لها ..؟؟!!
1- فالأرض البور التي كانت زهيده الثمن أصبحت مزارع سمكية منتجة ووصل إيجار الفدان ل 2500 : 3000 جنيه بعد أن كان لايتعدي 300 أو 400 جنيه من سنوات قليلة يضاف لذلك أن مساحه الأراضي المخصصه لإنشاء المزارع السمكية والتابعة للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية محدوده وغير قابلة للزياده اللهم الا في أضيق الحدود ، فلا يجوز إنشاء مزرعة سمكية علي أرض زراعية ، كما أنه مجرم قانوناً التعدي علي البحيرات وتجفيفها.
2- أسعار الأعلاف والمواد الخام الداخلة في تركيبها في زياده مستمرة طوال الفترة الماضية فبعدما كان سعر طن العلف يقدر ب700 – 900 منذ سنوات قلية وصل الآن إلي 2500 وربما أكثر فإذا كان معدل التحويل الغذائي 1 إلي 2 ( بمعني أن كل كيلو جرام سمك يحتاج إلي 2 كجم علف لتكوينه ) فمعني ذلك أن تكلفة الكيلو من الأسماك يزيد عن خمسه جنيهات في بند العلف فقط
3- الزياده الكبيرة جداً في أسعار الوقود والنقل وكذا تكلفة العمالة وكل العوامل المرتبطة بالإستزراع السمكي في الوقت الذي لم يزداد سعر الأسماك تقريبا خلال العشر سنوات الماضية كما ذكرت وبالتالي فإن كل هذه التغيرات يتحملها المنتج وحده لدرجة أنه يمكن القول ان جميع المشتغلين بهذا النشاط ربحهم شبه مضمون إلا المنتج نفسه ..؟؟!!!
4 تأثير المشاكل السابقة علي الإنتاج والسوق في الفترة المقبلة حيث أنه من الملاحظ بشده هذا الموسم تغير كمي ونوعي في التركيب المحصولي للمزارع السمكية ، فنيجة ارتفاع اسعار العلف ومستلزمات الإنتاج إضطر معظم المزارعين الي الإتجاه للأسماك التي تعتمد علي التغذية الطبيعية كالبوري والمبروك علي حساب سمكة البلطي التي إنخفض فيها معدلات التربية بشكل ملحوظ جدا هذا العام
فماذا يعني ذلك
يعني ذلك أن كمية الأسماك المنتجة العام القادم ستنخفض بشكل كبير جدا وبالتالي من المتوقع أن ترتفع أسعار الأسماك بشكل جنوني والخاسر في النهاية هو المستهلك الذي يخسر كل يوم سلعة من السلع الرخيصة التي كان يعتمد علها في غذاؤه .. مع إختلاف الأسباب ، فمرة اللحوم ثم الفراخ .. واليوم وغداً الأسماك والبقية تأتي
لذلك يجب - كما قلنا سابقاً - النظر لهذه المشاكل بكل جدية وإهتمام بعد أن دق ناقوس الخطر حتي لا نصل في يوم ما لنقطة اللا عوده
كما أن هناك مشاكل أخري متعلقة بهذا القطاع ويمكن أن يساهم حلها بشكل كبير في حل المشكلة ككل
1- إنحسار التجربة المصرية في تربية أسماك المياه العذبة فقط ( وخصوصاً البلطي والمبروك والعائلة البورية أما بالنسبة لنشاط الإستزراع البحري فهو مازال محدوداً للغاية
2- عدم وجود أسواق خارجية للأسماك المصرية ويرجع ذلك لأسباب عديدة أهمها ماذكر من قبل بخصوص استخدام مياه الصرف الزراعي – المحملة ببقايا المبيدات الزراعية في تربية الأسماك وهو ماترفضه معظم أو كل الدول المستورده
3- برغم أن زياده أسعار مواد الخام المستخدمه في إنتاج العلف كانت - وما زالت - تشكل عبئاً علي العملية الإنتاجية إلا أنها أصبحت تشكل خطراً حقيقياً علي الإنتاج الحيواني بصفة عامة ليس في مصر فحسب ولكن في العالم كله وذلك بسبب إستخدام هذه الخامات في صناعة الوقود الحيوي في الدول المتقدمه ، هذه النقطة بالذات أصبحت تشكل بعداً هاماً في الأمن الغذائي وبالتالي الأمن القومي للعديد من دول العالم
من خلال العرض السابق لتطور النشاط السمكي ومشاكله في الفترة السابقة فإن هنك العديد من النقاط يمكن أن تساهم في تطور هذا القطاع وإعادة إحداث نهضة جديدة تساهم بلا شك في حل بعض مشاكل توفير الغذاء في مصر خصوصاً في ظل الظروف الإجتماعية والمجتمعية والعالمية الجارية ..؟؟؟!! منها علي سبيل المثال أيضا ً لا الحصر
1- الإتجاه للإستزراع في الصحراء : وأقصد بذلك المشاريع الزراعية المتكاملة حيث يعتمد المشروع علي المياه الجوفية التي يتم ضخها في أحواض اسمنتية أو فيبر جلاس ويتم زراعة الأسماك بها ثم يستخدم صرف هذه المياه في الزراعة النباتية ، وهذه الطريقة تتميز بالعديد من المميزات ، فالزراعه هنا حيوية والمياه المستخدمه مياه جوفية نقية أي أن الأسماك المنتجة خالية من الملوثات وبالتالي تصلح للتصدير وتمكننا من فتح أسواق خارجية لمنتجاتنا ، كما أن أسعار الأرض في المناطق الصحراوية أقل بكثير من مثيلاتها في المناطق الزراعية حول النيل بالإضافة لكل ذلك أن مياه صرف الأسماك ستكون محمله بالأسمده الطبيعية اللازمه للنبات وبالتالي ستزداد انتاجية الإنتاج النباتي وتقل تكلفته ( يوجد في مصر الآن العديد من المشاريع الناجحة المداره بالتصور السابق )
2- الإتجاه للتربية البحرية : ورغم أن هناك خطوات أتخذت في هذا المجال إلا أنها لا تقارن بالنجاح الذي حققه تربية أسماك المياه العذبة والموضوع هنا يحتاج لتكاتف حقيقي لكل من الجهات البحثية والجهات التنفيذية ، فإنتاج الأسماك البحرية يعني إنتاج أسماك مرتفعة الثمن لها سوق كبير في التصدير مما يشجع المستثمرين علي الإستثمار في هذا النشاط وتطويره
3- البحث عن بدائل أخري للعلف : حيث أن استخجام نفس المكونات التي نستخدمها الآن في صناعة الأعلاف وفي ظل الأسعار وتقلبات السوق الحالية يمكن أن يؤدي لإنهيار حقيقي في تربية الأسماك وربما يهدد نشاط الإنتاج الحيواني والزراعي برمته وبالطبع فهذه النقطة هي الأخري تحتاج لتكاتف الجهات البحثية والتنفيذية للوصول لأفضل الحلول
4- زياده إهتمام الدولة ودعمها لهذا النشاط مثل تقليل أو خفض الجمارك علي مستلزمات الإستزراع السمكي وكذا تمويل المشاريع المقامة والمشاريع الجديده بفائده بسيطة ، والنظر في أسعار تأجير المزارع السمكية حتي لا تكون عرضه للمضاربه من التجار وكبار المستثمرين
برغم كل ما سبق فما زال يمثل الإنتاج السمكي الحل الأوحد لحل أو التقليل من حده مشاكل إرتفاع أسعار الغذاء ، ونتمني أن تتضافر جميع الجهود للرقي بهذا النشاط وتطويره بما ينعكس في النهاية علي توفير غذاء مقبول بسعر معقول للمواطن البسيط وبهامش ربح مناسب للمنتج .