تقصي الحقائق: تورط سرور في أحداث العنف
فيما يعد تتويجا للتعاون المثمر بين منظمات المجتمع المدني ممثلة في المنظمة العربية لحقوق الإنسان, ومجلس حقوق الإنسان, أعلنت لجنة تقصي الحقائق التابعة للمجلسين تقريرها النهائي,
أمس عن أحداث ثورة25 يناير, وتم رفعه إلي المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة, والدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء, والنائب العام عبدالمجيد محمود.
وأفاد التقرير بصدور أوامر بإطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين, وأن القيادة المركزية لقوات الأمن المركزي رفضت هذه الأوامر, إلا أن بعض القيادات الفرعية استجابت لها بعد إلحاح من وزارة الداخلية.
كما أفاد التقرير بوجود شهادات موثقة بأحد الأفلام إلي مسئولية عناصر تابعة للدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق في ترتيب أحداث العنف, وكذا ثبوت تشكيل تنظيم سري شبه عسكري للقيام بأعمال بلطجة بالمخالفة للقانون, واستخدام قناصة يحملون أسلحة متطورة يتبعون الأمن.
وطالب التقرير بالتحفظ علي أموال الحزب الوطني بعدما تبين وجود خلط بين موارد الحزب وموارد الدولة, كما طالب بالتحفظ علي قيادات الحزب المشتبه فيهم لحين استكمال التحقيقات المتعلقة بالجرائم.
كما ألقي التقرير بالمسئولية علي الدولة لتعويض المضارين عما أنزله موظفو تطبيق القانون من قتل وإصابات, واستكمال علاج المصابين, وتعويض حالات العجز بالمعايير نفسها المطبقة بالقوات المسلحة, واعتبار تعويضات حالات العجز الكلي مساوية لحالات الاستشهاد.
وأوضح أن الضحايا بلغوا نحو685 شهيدا, وأن المصابين بلغوا نحو5500 مصاب, وينتظر أن يتضاعف هذا الرقم بمقدار مرة ونصف المرة عند استكمال أعمال الحصر.
كما جاء في التقرير أن مدينة السويس شهدت أحداثا مؤسفة وتصعيدا عنيفا من قبل قوات الشرطة. كما طالب التقرير بضرورة فتح ملف اختفاء الزميل الصحفي رضا هلال منذ نحو ثماني سنوات.
يثير مسار الأحداث العديد من التساؤلات المهمة حول أبعاد بعض الوقائع, وطبيعة القرارات التي اتخذت في شأنها والمسئولية المباشرة عنها, يأتي في مقدمتها قرارات اطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين سلميا, وقرار الانسحاب الأمني ومسئولية الفراغ الأمني الذي أفضي إلي الهجوم المتزامن علي أقسام الشرطة وتخريب وحرق99 قسما أو نقطة شرطة علي مستوي الجمهورية, والهجوم المتزامن علي ستة مجمعات سجنية, وفرار أكثر من ثلاثة وعشرين ألفا من السجناء الجنائيين بينهم سجين من حماس ظهر في منزله بغزة بعد بضع ساعات من اقتحام السجن, وآخرون من حزب الله ظهر بعضهم في لبنان بعد أقل من أسبوع, مما أثار فزع المجتمع المصري, ولايزال بعض السجناء الجنائيين يشكلون تهديدا أمنيا خطيرا للمجتمع.
وقد ضاعف من صعوبة تقصي الحقائق عدة عوامل أبرزها غياب التفسيرات الرسمية, وتضارب المعلومات, وسيادة مناخ يتسم بعدم الشفافية والرغبة في اخفاء الحقائق.
وبينما لايخفي أثر هذه العوامل وغيرها علي نتائج مهمة لجنة تقصي الحقائق في تقديم أدلة قاطعة فيما عرضت له من قضايا فانه لايؤثر علي قدرتها في تقديم دلائل ومؤشرات تساعد النيابة العامة وغيرها من جهات التحقيق القضائي في مباشرة التحقيق بشأنها, كما تحيط الرأي العام بما توصلت إليه من استخلاصات.
1 ـ في مسئولية وزارة الداخلية عن أعمال القتل والاعتداءات البدنية علي المتظاهرين.
أشارت المصادر الاعلامية إلي أن وزير الداخلية أنكر في التحقيقات الأولية التي أجريت معه من جانب النيابة العامة مسئوليته عن اصدار قرارات اطلاق النار علي المتظاهرين, لكن أشارت التسجيلات التي تضمنها القرص المضغوط(C.D) الخاص بتسجيلات مكالمات قيادات قوات الأمن المركزي عقب أحداث25 يناير التي تحفظت عليها النيابة العامة من غرفة عمليات قطاع الأمن المركزي عن صدور أوامر باطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين من وزارة الداخلية مما تسبب في حدوث بلبلة بشأن هذا الاطار, وأن القيادة المركزية لقوات الامن المركزي رفضت هذا الامر فيما استجابت له بعض القيادات الفرعية في بعض المناطق والأماكن علي رأسها ميدان التحرير والشوارع القريبة منه, وذلك بعد الحاح الأوامر من وزارة الداخلية خوفا من وصول المتظاهرين لمقر الوزارة واقتحامها.
وقد شرعت النيابة العامة بالفعل في التحقيق في هذه المسئولية, وقررت حبس أربع من قيادات وزارة الداخلية علي صلة بهذه الاتهامات.
وفي كل الأحوال يظل من الثابت مسئولية وزير الداخلية المباشرة عن الجرائم الذي ارتكبت خلال هذه الفترة بحكم مسئوليته السياسية بصفته وزيرا للداخلية, ومسئوليته القانونية عن تابعيه, فضلا عن طول بقائه في منصبه منذ العام1997, الذي كان يتيح له التركز في السلطات والسيطرة الكاملة علي كل قطاعات الوزارة.
أما فيما يتعلق بمسئوليته عن الفراغ الأمني, فتراوحت التفسيرات بين قصد أحداث هذا الفراغ, كخطة مسبقة لاحتواء الاضطرابات الشعبية, وبين انهيار قدرات قوات الشرطة تحت الضغط المتلاحق للجماهير علي مدي الأيام الاربعة الاولي من بدء الثورة إلي أن وصلت إلي ذروتها في منتصف يوم82 يناير, فضلا عن انهيار نظام الاتصالات بسبب قطع خدمة الهاتف الجوال, وعجز وسائل الاتصال اللاسلكية الخاصة بالشرطة عن الاتصالات اللازمة.
وبينما يقع علي عاتق النيابة العامة اجلاء حقيقة ظروف وملابسات ما تقدم, يظل من المؤكد أن هذه الوقائع ذات تأثير كبير علي تفسير ظاهرة الحرق المتزامن لاقسام الشرطة, وهروب السجناء حيث يكمن تفسير أبعاد هاتين الظاهرتين بحالة الفراغ الأمني. إذ يري بعض الشهود أنها تتصل بما سبق الاشارة إليه عن خطة لاحداث فوضي أمنية, بينما يذهب شهود آخرون إلي انها جزء من حالة الانهيار الامني الذي واجهته الوزارة في مساء1/28/.2011ولم تتوافر للجنة دلائل علي مسئولية وزارة الداخلية عن قرار منظم للسجناء وان ظلت مسئوليتها قائمة علي عدم تشديد الحراسة علي السجون في مثل هذه الظروف.
ويتقاسم رئيس الدولة السابق مع وزير الداخلية مسئولية السياسة الامنية تجاه الأحداث خلال المواجهة الأمنية للمتظاهرين بحكم مسئوليته الدستورية, فضلا عن رئاسته للمجلس الاعلي للشرطة.
2 ـ في مسئولية الاعلام الرسمي عن التحريض علي ارتكاب الجرائم ضد المتظاهرين:
خلصت لجنة تقصي الحقائق إلي أن سيطرة الدولة علي وسائل الاتصال, وهيمنتها علي العديد من وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة لعبت دورا سلبيا تجاه الأحداث يتجاوز انتهاك حق المواطنين في استقاء المعلومات وحقهم في المعرفة والتواصل إلي مستوي التحريض ضد المتظاهرين سلميا علي نحو يضع الاعلام كطرف شريك في الجرائم التي ارتكبت في حقهم. كما خلصت اللجنة إلي أن مسئولية الخلل الجسيم الذي حدث لاتقتصر علي القيادات الاعلامية النافذة وفي مقدمتها أنس الفقي وزير الاعلام السابق فحسب بل يمتد إلي النظام الاعلامي الرسمي برمته وتقترح اللجنة مايلي:
ـ مساءلة القيادات الاعلامية التي تورطت في أعمال التحريض المباشر ونشر أخبار كاذبة علي نحو مايجرمه القانون.
ـ إنشاء مجلس وطني مستقل للاشراف علي الارسال المرئي والمسموع علي أن يتمتع بقوة قانونية بالاستقلال وأن يضم شخصيات تعبر عن مختلف التيارات الفكرية والثقافية أو بالانتخاب مثل لبنان.
ـ إنهاء سيطرة الحكومة علي الصحف القومية, وإلغاء المجلس الاعلي للصحافة, وتعزيز دور نقابة الصحفيين في شأن الاداء المهني للصحفيين ومحاسبتهم.
ـ إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر, وفي قانون العقوبات, وعدم اقتصار رفعها من قانون الصحافة.
ـ اصدار قانون حرية الوصول إلي المعلومات وتداولها علي نحو يتفق مع المعايير الدولية.
واستبعاد كل المسودات التي طرحت بشأنه من قبل والتي كانت تجعل منه قانونا لتقييد حرية الوصول إلي المعلومات.
ـ اتاحة نقابة مستقلة للعاملين في الاعلام المرئي والمسموع والإلكتروني للارتقاء المهني وحماية مصالح أعضائها.
3 ـ في مسئولية الحزب الوطني عن جرائم القتل والاعتداءات البدنية علي المتظاهرين.
تقع علي قيادات من الحزب الوطني مسئولية مباشرة في جرائم القتل والاعتداءات البدنية والترويع التي ارتكبها النظام السابق حيال المتظاهرين سلميا, وكان ابرزها حشد البلطجية للاعتداء علي المتظاهرين بميدان التحرير يوم2 فبراير والمعروفة بموقعة الجمال, وما اعقبها من اعتداءات, وقد القت النيابة العامة القبض علي62 من المشاركين في هذه الجرائم وذكروا في التحقيقات انهم تلقوا أموالا من عبد الناصر الجابري, ويوسف خطاب عضوي مجلس الشعب عن دائرة الهرم, والقت النيابة العامة القبض علي النائبين وحبستهما علي ذمة القضية, ووجهت لهما الاتهام بالفعل, كما استجوبت شخصيات أخري بنفس الخصوص, بينما اشارت شهادات موثقة باحد الافلام إلي مسئولية عناصر تابعة للدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في ترتيب هذه الأحداث.
لكن لاتقتصر المسئولية الجنائية علي اعمال البلطجة علي بعض قيادات الحزب الوطني التي شهدها ميدان التحرير اذ يعد الحزب كمؤسسة مسئولا من الناحية القانونية مسئولية مباشرة عما يلي:ـ
أ ـ افساد الحياة السياسية في البلاد والتلاعب بالنظام الجمهوري للدولة بالتعديلات المتكررة والسيئة السمعة للدستور.
ب ـ تزوير إرادة الناخبين والتدخل المباشر في تغيير نتائج الانتخابات علي مستوي الانتخابات المحلية, انتخابات مجلس الشوري, وقد بلغ ذلك التدليس مداه في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب, والتي اقصت كل التيارات السياسية.
ج ـ الخلط بين موارد الحزب وموارد الدولة, ووضع اليد علي عقارات حكومية كمقار للحزب دون أداء المقابل المالي والمناسب, وبغير وجه من القانون, وقد دعت بعض الهيئات في الأيام الأخيرة الحزب لسداد ما عليه من قيمة إيجار مقره الرئيسي, كما قرر المجلس المحلي لمحافظة القليوبية سحب جميع مقار الحزب الوطني الحكومية وإعادتها للمحافظة علي ان يتم سداد القيمة الإيجارية عن المدة السابقة.
د ـ تشكيل تنطيم سري شبه عسكري للقيام بأعمال البلطجة بالمخالفة للقانون وهو ماظهر جليا خلال عمليات تزوير الانتخابات, كما ظهر أخيرا في عمليات القتل والاعتداءات البدنية علي المتظاهرين.
وتطالب اللجنة النيابة العامة إن تتسع تحقيقاتها لهذه الاتهامات, وان تشمل إجراءاتها التحفظ علي اموال الحزب لحين التحقق من الفصل بين اموال الدولة والحزب, والتحفظ علي القيادات المشتبه فيها من الحزب لحين استكمال التحقيقات المتعلقة بجرائم الاعتداء علي المتظاهرين.
وفي حال ثبوت هذه الاتهامات تطالب اللجنة بحل الحزب الوطني ومصادرة امواله.
4 ـ في مسئولية الدولة عن الانصاف وجبر الضرر:
تقع علي الدولة مسئولية التعويض عما انزله موظفو إنقاذ القانون من قتل واصابات للمواطنين, وقد قررت الحكومة بالفعل صرف معاش استثنائي للمستحقين من اسر الشهداء, كما قررت صرف تعويض مالي بقيمة خمسين ألف جنيه لورثة الشهداء في حالة عدم وجود مستحقين للمعاش الاستثنائي.
وتري اللجنة ضرورة التقيد بمبدأ المساواة, والسرعة في تنفيذ هذه القرارات, والنظر في زيادة قيمة التعويضات بحيث تكون جابرة للضرر.
وكذلك العمل علي تجاوز الصعوبات التي نشأت عن رفض المستشفيات اصدار تقارير طبية وافية لاثبات سبب وفاة الشهداء وتقارير الطب الشرعي عن الصفة التشريحية, مما كان موضع نقد من جانب النيابة العامة, وصعوبة لدي المواطنين لاثبات حقوقهم في جبر الضرر, وتقترح اللجنة اصدار قائمة باسماء الشهداء ونشرها في الجريدة الرسمية تعتمد كدليل رسمي لذويهم يحفظ لهم كرامتهم المعنوية ويعتمد لجبر الضرر.
ـ اما فيما يتعلق بالاصابات فتظهر الحاجة لعدة أمور:
أولا: ـ استكمال علاج المصابين, وتوفير إمكانات إجراء الجراحات الدقيقة للحالات الحرجة, وتحمل الدولة كامل نفقات العلاج.
ثانيا:ـ اعطاء اهتمام خاص لمتابعة علاج اصابات العيون نظرا لفداحتها كما وكيفا علي ان تشمل المتابعة التأهيل النفسي للذين فقدوا بصرهم.
ثالثا:ـ تقدير التعويضات عن حالات العجز الذي ترتب عن الاصابات وفقا لنفس المعايير التي تطبقها القوات المسلحة علي افراد القوات المسلحة.
رابعا:ـ اعتبار حالات العجز الكلي مساوية لحالات الاستشهاد بالنسبة للتعويضات.
وفيما يتعلق بالخسائر في الممتلكات, فقد اعلن وزير المالية عن تخصيص صندوق بقيمة خمسة مليارات جنيه لتعويض الذين اضيرت ممتلكاتهم ومنشآتهم جراء الاحداث وشرع بالفعل في صرف التعويضات.
http://www.ahram.org.eg/The-First/News/68977.aspx