مع فرضه منذ مارس 1963قانون الطوارئ في سوريا.. أطول فترة زمنية من نوعها في التاريخالسبت 21 ربيع الثاني 1432هـ - 26 مارس 2011م
تعد حالة الطوارئ في سوريا، التي وعد الرئيس بشار الأسد على لسان مستشارته الإعلامية بدراسة إلغائه، هي الأطول من نوعها في تاريخ الدول الحديثة، وذلك لأنه تم فرضه بعد الانقلاب العسكري في 8 مارس/آذار عام 1963.
وكانت مستشارة الرئيس السوري، بثنية شعبان، أعلنت الخميس الماضي عن حزمة من الإصلاحات المعيشية والسياسية على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها محافظة درعا على مدى نحو أسبوع، وكان أبرز تلك الإصلاحات الموعودة العمل على إلغاء قانون الطوارئ المثير للجدل، الذي طالما طالب نشطاء سياسيون على مدى سنوات عديدة بإلغائه؛ لتأثيره الكبير في الحد من الحريات العامة والشخصية للمواطنين بما يمنحه من صلاحيات واسعة للسلطات الأمنية والتنفيذية.
وبحسب أحد الحقوقيين فإن حالة الطوارئ أعلنت في سوريا في ظل أحكام المرسوم التشريعي رقم 51 لعام 1962، وبالتالي يجب أن يندرج الإعلان وحالته تحت أحكام المرسوم المذكور، غير أن ذلك لم يحدث، بحسب قوله.
ويوضح: "من جميع النواحي الشكلية والموضوعية والتنفيذية (الإجرائية)، ومن خلال استعراض نصوص المرسوم 15 نجد الثغرات التالية، منها أن الفقرة (أ) من المادة (2) رسمت آلية إعلان حالة الطوارئ (وسيلةً ومصدراً وطريقةً): "تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له".
ويضيف "في حالتنا نحن لا نجد أي التزام بهذا النص، أمر عسكري بدلاً من مرسوم, مجلس وطني لقيادة الثورة بدلاً من مجلس الوزراء، وعدم عرضه على مجلس النواب (الشعب) لا في أول اجتماع له، ولا في الاجتماعات التالية.
ويشدد على أنه حددت الفقرة (ب) من المادة (2) مضمون مرسوم إعلان حالة الطوارئ: "يحدد المرسوم القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا المرسوم التشريعي دون الإخلال بالمادة الخامسة منه القيود والتدابير الواردة في المادة الرابعة:
- مراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمؤلفات وجميع وسائل التعبير, قبل نشرها.
- إخلاء بعض المناطق أو عزلها.
- تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها.
- الاستيلاء على أي عقار أو منقول وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات.
- وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة.
- توقيف المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً، والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت, وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال..".
وتابع: "وبموجب المادة الخامسة يحق لمجلس الوزراء توسيع دائرة هذه القيود بمرسوم يعرض على مجلس النواب. ولكن بعد الإمعان في ما يمكن اتخاذه من تدابير وقيود توسعية لا نجد شيئاً قد بقي خارج حدود هذه القيود والتدابير المثيرة للجدل.
وزاد: "بالرغم من مخالفة الأمر العسكري رقم (2) لأحكام الفقرة (أ) من المادة (2)، أمعن أيضاً في مخالفة الفقرة (ب) من نفس المادة، ولم يحدد القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي أن يتخذها، وبذلك أطلق يده ومن بعده نائبه أو نوابه (الرسميين والفعليين)، واستباح المجتمع والسياسة من خلال الصلاحيات العرفية اللامحدودة".
تجاوزات "أقسى" من "قساوة الطوارئ"ويرى ذلك الحقوقي أن "السلطات السورية نسفت قانون الطوارئ رغم قسوته من أساسه، ولم تأخذه بأي اعتبار، بل اعتبرته وكأنه لم يكن وغير موجود"، مستشهداً ببعض الأمثلة منها أن الفقرة (ز) من المادة (4) العقوبات التي تفرض على مخالفة الأوامر العرفية على أن لا تزيد على الحبس مدة ثلاث سنوات وعلى الغرامة حتى 3000 ليرة أو إحداهما، وإذا لم يحدد الأمرُ العقوبةَ على مخالفة أحكامه فيعاقب المخالف بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على 500 ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي الواقع بلغت العقوبات العرفية أضعاف أضعاف العقوبات المحددة في الفقرة (ز) أعلاه.
سجون عرفيةوأشار إلى تمادي السجون والمعتقلات العرفية إلى درجة أن عدد المعتقلين عرفياً بات من غير الممكن حصره، وإلى درجة أن الاعتقال العرفي صار عاماً والتوقيف العادي صار استثناءً. وطالما أتينا بالمثل الفرنسي للمقارنة في قانون الطوارئ وآليات تنفيذه، مضيفاً: "من الضروري أن نشير خاصة إلى أن مدة الحبس الاحتياطي غير محدودة, لذلك يحدث أن يمتد مدة طويلة جداً بمجرد صدور أمر عرفي, دون رقابة من القضاء عليه, ولا مرجع قضائي أو إداري يتشكي المتضرر إليه، وقد حدث أن المحاكم القضائية أصدرت أحكامها ببراءة بعض المتهمين, غير أنهم ظلوا موقوفين على ذمة قانون الطوارئ دون تهمة".
واعتبر أن من أقسى نتائج حالة الطوارئ في البلاد "انتشار المحاكم الاستثنائية وتفعيلها، إلى الحد الذي وقف فيه المواطنون أمام محاكم لا يعرفون اسمها أو أسماء أعضائها وصفاتهم، ويقفون مجردين من حق الدفاع والطعن وحق المواطنة".
وينوّه ذلك الحقوقي إلى أن قانون الطوارئ يتضمن تجاوزات عديدة للدستور السوري، حيث ذكر على سبيل المثل أن الفقرة (2) من المادة (25) من الدستور على أن "سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة"، وإهدار قانون الطوارئ بالطريقة التي تم بها فيه إهدار موازٍ لهذا المبدأ الدستوري المهم الذي تتجلى المشروعية من خلاله. قلبت الممارسات الفعلية المبدأ الدستوري الوارد في الفقرة (1) من المادة (28): "كل متهم بريء حتى يُدان بحكم قضائي مبرم" رأساً على عقب، بأن جعلت كل مواطن متهم حتى يثبت العكس".
ويوضح أن السلطات العرفية المطلقة – عبر الأجهزة الأمنية والمخابراتية – حلت محل كافة السلطات الأخرى (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وبذلك عُلّقت كافة الأنظمة الدستورية والقانونية والحقوقية.
ويختم بقوله: "منذ أكثر من 40 عاماً نعيش حالة طوارئ مخالفة للقانون ومخالفة للدستور، الأمر الذي شكّل عدواناً صارخاً على حقوق المواطنين وحرياتهم وكرامتهم، وعدواناً صارخاً على ماهية الدولة نفسها".
تجدر الإشارة إلى أن مواقع إلكترونية سورية كان ذكرت في وقت سابق ان عضو البرلمان السوري عبدالكريم السيد كان قد طالب قبل اندلاع الاحتجاجات في درعا، بتشكيل لجنة برلمانية للنظر باقتراحه رفع قانون الطوارئ جزئياً في سوريا، إلا أنه فوجئ بتصويت "جميع" الأعضاء في المجلس على رفض طلبه.